الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
ذكره بعد التيمم؛ لأن كلا منهما طهارة مسح وقدمه عليه لثبوته بالكتاب، وهذا ثابت بالسنة على الصحيح كما سيأتي والمسح لغة إمرار اليد على الشيء واصطلاحا عبارة عن رخصة مقدرة جعلت للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها والخف في الشرع اسم للمتخذ من الجلد الساتر للكعبين فصاعدا وما ألحق به وسمي الخف خفا من الخفة؛ لأن الحكم خف به من الغسل إلى المسح ثم يحتاج هنا إلى معرفة ستة أشياء: أحدهما: أصل المسح. والثاني: معرفة مدته. والثالث: معرفة الخف الذي يجوز عليه المسح. والرابع: معرفة ما ينتقض به المسح. والخامس: معرفة حكمه إذا انتقض. والسادس: معرفة صورته. وقد ذكرها المصنف فبدأ بالأول فقال (صح) أي جاز المسح على الخفين والصحة في العبادات على ما في التوضيح كونها بحيث توجب تفريغ الذمة فالمعتبر في مفهومها اعتبارا أوليا إنما هو المقصود الدنيوي، وهو تفريغ الذمة، وإن كان يلزمها الثواب مثلا، وهو المقصود الأخروي لكنه غير مقصود في مفهومه اعتبارا أوليا والوجوب كون الفعل بحيث لو أتى به يثاب ولو تركه يعاقب فالمعتبر في مفهومه اعتبارا أوليا هو المقصود الأخروي، وإن كان يتبعه المقصود الدنيوي كتفريغ الذمة ونحوه ا هـ. واختلف مشايخنا هل جوازه ثابت بالكتاب أو بالسنة فقيل بالكتاب عملا بقراءة الجر، فإنها لما عارضت قراءة النصب حملت على ما إذا كان متخففا وحملت قراءة النصب على ما إذا لم يكن متخففا واختاره في غاية البيان وقال الجمهور: لم يثبت بالكتاب، وهو الصحيح بدليل قوله: {إلى الكعبين}؛ لأن المسح غير مقدر بهذا بالإجماع والصحيح أن جوازه ثبت بالسنة كذا ذكره المصنف في المستصفى واختاره صاحب المجمع معللا بأن الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة ولا حكما؛ لأن الخف اعتبر مانعا سراية الحدث إلى القدم فهي طاهرة وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة وحكما وحملوا قراءة الجر عطفا على المغسول والجر للمجاورة وقد جاءت السنة بجوازه قولا وفعلا حتى قال أبو حنيفة ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين؛ لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر وقال أبو يوسف خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته وقال أحمد ليس في قلبي شيء من المسح فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا وما وقفوا وعن الحسن البصري أدركت سبعين نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون المسح على الخفين ومن لم ير المسح عليهما جائزا من الصحابة فقد صح رجوعهم كابن عباس وأبي هريرة وعائشة وقال شيخ الإسلام الدليل على أن منكر المسح ضال مبتدع ما روي أن أبا حنيفة سئل عن مذهب أهل السنة والجماعة فقال هو أن تفضل الشيخين وتحب الختنين وترى المسح على الخفين، وإنما لم يجعله واجبا؛ لأن العبد مخير بين فعله وتركه كذا قالوا وينبغي أن يكون المسح واجبا في مواضع منها إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه لا يكفي وضوءه ولو مسح على الخفين يكفيه، فإنه يتعين عليه المسح ومنها ما لو خاف خروج الوقت لو غسل رجليه، فإنه يمسح ومنها إذا خاف فوت الوقوف بعرفة لو غسل رجليه ولم أر من صرح بهذا من أئمتنا لكني رأيته في كتب الشافعية وقواعدنا لا تأباه كما لا يخفى ولم يجعله مستحبا؛ لأن من اعتقد جوازه ولم يفعله كان أفضل لإتيانه بالغسل إذ هو أشق على البدن قال في التوشيح، وهذا مذهبنا وبه قال الشافعي ومالك ورواه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والبيهقي عن أبي أيوب الأنصاري أيضا وقال الشعبي والحكم وحماد والإمام أبو الحسن الرستغفني من أصحابنا أن المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد أما لنفي التهمة عن نفسه؛ لأن الروافض والخوارج لا يرونه، وأما للعمل بقراءة النصب والجر و عن أحمد أنهما سواء، وهو اختيار ابن المنذر احتج من فضل المسح بقوله عليه السلام في حديث المغيرة بهذا أمرني ربي رواه أبو داود والأمر إذا لم يكن للوجوب كان للندب ولنا حديث علي قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ذكره ابن خزيمة في صحيحه وكذا في حديث صفوان ذكر الرخصة والأخذ بالعزيمة أولى، فإن قيل فهذه رخصة إسقاط لما عرف في أصول الفقه فينبغي أن لا يكون مشروعا ولا يثاب على إتيان العزيمة هاهنا إذ لا تبقى العزيمة مشروعة إذا كانت الرخصة للإسقاط كما في قصر الصلاة قلنا العزيمة لم تبق مشروعة ما دام متخففا أيضا والثواب باعتبار النزع والغسل، وإذا نزع صارت مشروعة وسقط سبب الرخصة في حقه أيضا فكان هذا نظير من ترك السفر سقط عنه سبب رخصة سقوط القصر وليس لأحد أن يقول إن تارك السفر آثم ا هـ. وهكذا أجاب النسفي وشراح الهداية وأكثر الأصوليين ومبنى السؤال على أنه رخصة إسقاط ومنعه الشارح الزيلعي رحمه الله وخطأهم في تمثيلهم به في الأصول؛ لأن المنصوص عليه في عامة الكتب أنه لو خاض ماء بخفه فانغسل أكثر قدميه بطل المسح وكذا لو تكلف غسلهما من غير نزع أجزأه عن الغسل حتى لا يبطل بمضي المدة فعلم أن العزيمة مشروعة مع الخف ا هـ. ودفعه المحقق العلامة في فتح القدير بأن مبنى هذه التخطئة على صحة هذا الفرع، وهو منقول في الفتاوى الظهيرية لكن في صحته نظر، فإن كلمتهم متفقة على أن الخف اعتبر شرعا مانعا سراية الحدث إلى القدم فتبقى القدم على طهارتها ويحل الحدث بالخف فيزال بالمسح وبنوا عليه منع المسح للمتيمم والمعذورين بعد الوقت وغير ذلك من الخلافيات، وهذا يقتضي أن غسل الرجل في الخف وعدمه سواء إذا لم يبتل معه ظاهر الخف في أنه لم يزل به الحدث؛ لأنه في غير محله فلا تجوز الصلاة به؛ لأنه صلى مع حدث واجب الرفع إذ لو لم يجب والحال أنه لا يجب غسل الرجل جازت الصلاة بلا غسل ولا مسح فصار كما لو ترك ذراعيه وغسل محلا غير واجب الغسل كالفخذ ووزانه في الظهيرية بلا فرق لو أدخل يده تحت الجرموقين فمسح على الخفين وذكر فيها أنه لم يجز وليس إلا؛ لأنه في غير محل الحدث والأوجه في ذلك الفرع كون الأجزاء إذا خاض النهر لابتلال الخف ثم إذا انقضت المدة إنما لا يتقيد بها لحصول الغسل بالخوض والنزع إنما وجب للغسل وقد حصل ا هـ. وظاهره تسليم التخطئة لو صح الفرع وقد رد بعض المحققين التخطئة على تقدير صحة الفرع أيضا بأن هذا سهو وقع من الزيلعي؛ لأن مرادهم بالمشروعية الجواز في نظر الشارع بحيث يترتب عليه الثواب لا أن يترتب عليه حكم من الأحكام الشرعية يدل عليه تنظيرهم بقصر الصلاة، فإن أتى بالعزيمة بأن صلى أربعا وقعد على الركعتين يأثم مع أن فرضه يتم وتحقيق جوابه أن المترخص ما دام مترخصا لا يجوز له العمل بالعزيمة فإذا زال الترخص جاز له ذلك، فإن المسافر ما دام مسافرا لا يجوز له الإتمام حتى إذا افتتحها بنية الأربع يجب قطعها والافتتاح بالركعتين لما سيأتي في صلاة المسافر فإذا افتتحها بنية ثنتين ونوى الإقامة أثناء الصلاة تحولت إلى الأربع فالمتخفف ما دام متخففا لا يجوز له الغسل حتى إذا تكلف وغسل رجليه من غير نزع أثم، وإن أجزأه عن الغسل وإذا نزع الخف وزال الترخص صار الغسل مشروعا يثاب عليه والعجب أن هذا مع وضوحه لمن تدرب في كتب الأصول كيف خفى على فحل من العلماء الفحول ا هـ. واعلم أن العزيمة ما كان حكما أصليا غير مبني على أعذار العباد والرخصة ما بني على أعذار العباد، وهو الأصح في تعريفهما عند الأصوليين كما عرف فيه. واعلم أن في تتمة الفتاوى الصغرى وفي فتاوى الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل أنه إذا ابتل قدمه لا ينتقض مسحه على كل حال؛ لأن استتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى الرجل فلا يقع هذا غسلا معتبرا فلا يوجب بطلان المسح ويوافقه ما في شرح الزاهدي في سياق نقله عن البحر المحيط وعن أبي بكر العياضي لا ينتقض، وإن بلغ الماء الركبة. ا هـ. لكن ذكر في خير مطلوب لبس خفيه على الطهارة ومسح عليهما فدخل الماء إحداهما إن وصل الكعب حتى صار جميع الرجل مغسولا يجب غسل الأخرى، وإن لم يبلغ الكعب لا ينتقض مسحه وإن أصاب الماء أكثر إحدى رجليه اختلف فيه فقد علمت صحة ما بحثه المحقق في فتح القدير غير أنه أقر القائل بأنه إذا انقضت المدة ولم يكن محدثا لا يجب عليه غسل رجليه على هذا القول وتعقبه تلميذه العلامة ابن أمير حاج بأنه يجب عليه غسل رجليه ثانيا إذا نزعهما أو انقضت المدة، وهو غير محدث؛ لأن عند النزع أو انقضاء المدة يعمل ذلك الحدث السابق عمله من السراية إلى الرجلين وقتئذ فيحتاج إلى مزيل له عنهما حينئذ للإجماع على أن المزيل لا يظهر عمله في حدث طارئ بعده فليتأمل ا هـ. (قوله: ولو امرأة) أي ولو كان الماسح امرأة لإطلاق النصوص وقد قدمنا أن الخطاب الوارد في أحدهما يكون واردا في حق الآخر ما لم ينص على التخصيص، وأشار به إلى أنه يجوز للحاجة ولغيرها سفرا و حضرا. (قوله: لا جنبا) أي لا يجوز المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل والمحققون على أن الموضع موضع النفي فلا حاجة إلى التصوير وحاصله أنه إذا أجنب وقد لبس على وضوء وجب نزع خفيه وغسل رجليه وذكر شمس الأئمة أن الجنابة ألزمته غسل جميع البدن ومع الخف لا يتأتى ذلك وفي الكفاية صورته توضأ ولبس جوربين مجلدين ثم أجنب ليس له أن يشدهما ويغسل سائر جسده مضطجعا ويمسح عليه ا هـ. وبهذا اندفع ما في النهاية من أنه لا يتأتى الاغتسال مع وجود الخف ملبوسا وقيل صورته مسافر أجنب ولا ماء عنده فتيمم ولبس ثم أحدث ووجد ماء يكفي وضوءه لا يجوز له المسح؛ لأن الجنابة سرت إلى القدمين والتيمم ليس بطهارة كاملة فلا يجوز له المسح إذا لبسهما على طهارته فينزعهما ويغسلهما فإذا فعل ولبس ثم أحدث وعنده ماء يكفي للوضوء توضأ ومسح؛ لأن هذا الحدث يمنعه الخف السراية لوجوده بعد اللبس على طهارة كاملة فلو مر بعد ذلك بماء كثير عاد جنبا فإذا لم يغتسل حتى فقده تيمم له فإذا أحدث بعد ذلك وعنده ماء يكفي للوضوء توضأ وغسل رجليه؛ لأنه عاد جنبا، فإن أحدث بعد ذلك وعنده ماء للوضوء فقط توضأ ومسح وعلى هذا تجري المسائل وقد ذكر شراح الهداية أن هذا تكلف غير محتاج إليه وفي فتح القدير أنه يفيد أنه يشترط لجواز المسح كون اللبس على طهارة الماء لا طهارة التيمم معللا بأن طهارة التيمم ليست بطهارة كاملة، فإن أريد بعدم كمالها عدم الرفع عن الرجلين فهو ممنوع، وإن أريد عدم إصابة الرجلين في الوظيفة حسا فيمنع تأثيره في نفي الكمال المعتبر في الطهارة التي يعقبها اللبس ويمكن أن يوجه الحكم المذكور بأن المسح على خلاف القياس، وإنما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم على طهارة الماء ولم يرد من قوله ما يوسع مورده فيلزم فيه الماء قصرا على مورد الشرع وحديث صفوان صريح في منعه للجنابة. ا هـ. وهو ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة بسند صحيح عن صفوان بن عسال قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها لا عن جنابة ولكن عن بول وغائط» وروي إلا من جنابة في كتب الحديث المشهورة وروي بحرف النفي وكلاهما صحيح ولكن المشهور رواية إلا الاستثنائية ووقع في كتب الفقه ولكن عن بول أو غائط أو نوم بأو والمشهور في كتب الحديث بالواو كذا ذكر النووي وفي معراج الدراية معزيا إلى المجتبى سألت أستاذي نجم الأئمة البخاري عن صورته فقال توضأ ولبس خفيه ثم أجنب ليس له أن يشد خفيه فوق الكعبين ثم يغتسل ويمسح وما ذكروا من الصور ليس بصحيح؛ لأن الجنابة لا تعود على الأصح ا هـ. ولم يتعقبه ولا يخفى ضعفه، فإنهم صرحوا بأن التيمم ينتقض برؤية الماء، فإن كان جنبا وتيمم عادت الجنابة برؤية الماء، وإن كان محدثا عاد الحدث والذي يدلك على أن الصورة المتقدمة تكلف أنها لا تناسب وضع المسألة إذ وضعها عدم جواز المسح للجنب في الغسل وما ذكر إنما هو عدم جوازه في الوضوء فليتنبه لذلك وفي شرح منية المصلي قوله من كل حدث موجب للوضوء احترازا من الجنابة، وما في معناها مما يوجب الغسل كالحيض على أصل أبي يوسف في حق المرأة إذا كانت مسافرة؛ لأن أقل الحيض عنده يومان وليلتان وأكثر اليوم الثالث والنفاس، فإنه لا ينوب المسح على الخفين في هذه الأحداث عن غسل الرجلين لعدم جعل الخف مانعا من سرايتها إلى الرجل شرعا كما صرح به في الجنابة حديث صفوان المتقدم ويقاس الحيض والنفاس في ذلك عليها إن لم يكن فيها إجماع ا هـ. وإنما جعل الحيض مبنيا على أصل أبي يوسف لظهور أنه لا يتأتى على أصلهما، فإنها إذا توضأت ولبست الخفين ثم أحدثت وتوضأت ومسحت ثم حاضت كان ابتداء المدة من وقت الحدث، فإذا انقطع الدم لثلاثة أيام انتقض المسح قبلها فلا يتصور أن يمنع المسح لأجل غسل الحيض؛ لأنه امتنع لانتقاضه بمضي المدة، وإن لبستهما في الحيض فغسل الرجلين واجب لفوات شرط المسح، وهو لبس الخفين على طهارة والمقصود تصوير المسألة بحيث لا يكون مانع من مسح الخفين سوى وجوب الاغتسال وصورة عدم مسح النفساء أنها لبست على طهارة ثم نفست وانقطع قبل ثلاثة، وهي مسافرة أو قبل يوم وليلة، وهي مقيمة. (قوله: إن لبسهما على وضوء تام وقت الحدث) يعني المسح جائز بشرط أن يكون اللبس على طهارة كاملة وقت الحدث وذكره التمام لدفع توهم النقصان الذاتي له كما إذا بقي لمعة لم يصبها الماء لا للاحتراز عن طهارة أصحاب الأعذار بالنسبة إلى ما بعد الوقت إذا توضئوا ولبسوا مع وجود الحدث الذي ابتلوا به كما مشى عليه غير واحد من المشايخ وعن طهارة التيمم وبنبيذ التمر على القول بتعين الوضوء به عند وجوده وفقد الماء المطلق الطهور، فإنه في الحقيقة لا نقص في شيء من هذه الطهارات بل هي ما بقي شرطها كالتي بالماء المطلق الطهور في حق الأصحاء وتحرير المسح لأصحاب الأعذار أنه إذا كان العذر غير موجود وقت الوضوء واللبس، فإنه يمسح كالأصحاء حتى إذا كان مقيما فيوما وليلة من وقت الحدث العارض له على الطهارة المذكورة بعد اللبس، وإن كان مسافرا فثلاثة أيام ولياليها من وقت الحدث المذكور؛ لأن الحدث المذكور صادف لبسهما على طهارة كاملة مطلقا فجاز له المسح في الوقت وبعده إلى تمام المدة بخلاف ما إذا لبس بطهارة العذر بأن وجد العذر مقارنا للوضوء أو للبس أو لكليهما أو فيما بينهما واستمر على ذلك حتى لبس، فإنه حينئذ إنما يمسح في الوقت كلما توضأ الحدث غير ما ابتلى به ولا يمسح خارج الوقت بناء على ذلك اللبس؛ لأن الحدث في هذه الصورة صادف بالنسبة إلى الوقت لبسا على طهارة كاملة بدليل أن الشارع ألحق ذلك الحدث الذي ابتلى به بالعدم فيه حتى جوز له أداء الصلاة معه فيه وصادف بالنسبة إلى خارج الوقت لبسا على غير طهارة بدليل أن الشارع لم يجوز له أداء الصلاة فيه، وإن لم يوجد منه حدث آخر، فإن هذه آية عمل الحدث السابق عمله إذ خروج الوقت ليس بحدث حقيقة بالإجماع فبان أن اللبس في حقه حصل لا على طهارة فلا جرم إن جاز له المسح في الوقت لا خارجه فحاصله أنه لا يمسح بعد خروج الوقت في ثلاثة أحوال ويمسح في حال واحدة وأما في الوقت فيمسح مطلقا كذا في النهاية وغيرها وشمل كلام المصنف صورا منها أن يبدأ بغسل رجليه ثم يلبسهما ثم يكمل الوضوء ومنها أن يتوضأ إلا رجليه ثم يغسل واحدة ويلبس خفها ثم يغسل الأخرى ويلبسه ومنها أن يبدأ بلبس الخفين ثم يتوضأ إلا رجليه ثم يخوض في الماء فتبتل رجلاه مع الكعبين أو عكسه بأن ابتل رجلاه ثم توضأ وفي جميع هذه الصور يجوز له المسح إذا أحدث لتمام الطهارة وقت الحدث، وإن لم يوجد وقت اللبس فظهر بهذا أن قوله وقت الحدث قيد لا بد منه وبه يندفع ما ذكر في التبيين من أنه زيادة بلا فائدة؛ لأن قوله أن لبسهما على وضوء يغني عنه؛ لأن اللبس يطلق على ابتداء اللبس وعلى الدوام عليه؛ ولهذا يحنث بالدوام عليه في يمينه لا يلبس هذا الثوب، وهو لابسه فيكون معناه إن وجد لبسهما على وضوء تام سواء كان ذلك اللبس ابتداء أو بالدوام عيه فلا حاجة إلى تلك الزيادة ا هـ. ووجه دفعه أن الفعل دال على الحدث ولا دلالة له على الدوام والاستمرار قال المحقق التفتازاني في أول المطول الاسم يدل على الدوام والاستمرار والفعل إنما يدل على الحقيقة دون الاستغراق ا هـ. فالمعنى أن الشرط حصول اللبس على طهر في الجملة عند اللبس بشرط أن تتم تلك الطهارة عند الحدث ولو لم يقيد التام بوقت الحدث لتبادر تقييده بوقت اللبس وحصول الطهر التام قبله كما هو مقتضى لفظة على وبعدما قيد بوقت الحدث لم يبق احتمال تقييده بوقت اللبس وكون الفعل أطلق على الدوام في مسألة اليمين إنما هو بطريق المجاز والكلام في تبادر المعنى الحقيقي فلولا التقييد بوقت الحدث لتبادر الفهم إلى المعنى الحقيقي، فإن قيل المفهوم من الكتاب عدم الجواز عند كون اللبس على طهر تام وقت اللبس مع أنه ليس كذلك قلنا التام وقت الحدث أعم من التام فيه فقط والتام فيه وقبله أيضا والتام وقت اللبس يكون تاما وقت الحدث وقال الشافعي: لا بد من لبسهما على وضوء تام ابتداء لما في الصحيحين عن المغيرة «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما» وأهويت بمعنى قصدت ولما أخرجه ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما من حديث أبي بكرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما» ونص الشافعي على أن إسناده صحيح والبخاري على أنه حديث حسن والجواب أن معنى أدخلتهما أدخلت كل واحدة الخف، وهي طاهرة لا أنهما اقترنا في الطهارة والإدخال؛ لأن ذلك غير متصور عادة، وهذا كما يقال دخلنا البلد ونحن ركبان يشترط أن يكون كل واحد راكبا عند دخولها ولا يشترط أن يكون جميعهم ركبانا عند دخول كل واحد منهم ولا اقترانهم في الدخول كذا أجاب في التبيين وغيره لكن لا يصدق على الصورة الأخيرة التي ذكرناها، وهي ما إذا بدأ بلبسهما ثم توضأ إلى آخره نظرا إلى ابتداء اللبس لا إلى ما بعد الوضوء الكامل المشتمل على غسلهما بعد ذلك لكن أهل المذهب ليسوا بمعتدين بابتداء هذا اللبس في هذه الصورة بل إنما هم معتدون باستمراره لهما بعد الوضوء الكامل تنزيلا لاستمرار اللبس من وقته إلى حين الحدث بعده بمنزلة ابتداء لبس جديد وجد الحدث بعده على طهارة كاملة لعقلية أن المقصود وقوع المسح على خف يكون ملبوسا عند أول حدث يحدث بعد اللبس على طهارة كاملة وهذا المقصود موجود في هذه الصورة كما في الصور الأخر ألا ترى أن في الوجه الذي فعل فيه الوضوء بتمامه مرتبا لو نزع رجليه من خفيه ثم أعادهما إليهما من غير إعادة غسلهما أنه يمسح على الخفين إذا أحدث بعد ذلك قبل مضي المدة بالإجماع، وهذا ظاهر في أنه لا أثر لعدم الإكمال قبل ابتداء اللبس في المنع من جواز المسح إذا وجد الإكمال بعد ابتداء اللبس قبل الحدث على أن كلا من الحديثين المذكورين ليس بمتعرض لعدم الجواز في هذه الصورة اللهم إلا إن كان حديث أبي بكرة بطريق مفهوم المخالفة، وهو طريق غير صحيح عند أهل المذهب على ما عرف في علم الأصول مع أن كلا منهما وما ضاهاهما يجوز أن يكون خرج مخرج البيان لما هو الأكمل في ذلك والأحسن وأهل المذهب قائلون بأن هذا الذي عينه مخالفوهم محلا للجواز نظرا إلى هذه الأحاديث هو الوجه الأكمل. واعلم أن في قوله وقت الحدث توسعا والمراد قبيل الحدث أي متصلا به؛ لأن وقت الحدث لا يجامع الطهارة فكيف يكون ظرفا له، وإنما أراد المبالغة في اتصال الوضوء التام بالحدث حتى كأنهما في وقت واحد كذا ذكره مسكين في شرحه وقد أفصح المصنف عن مراده في الكافي فقال شرطه أن يكون الحدث بعد اللبس طارئا على وضوء تام وقد ذكر في التوشيح أنه لو توضأ للفجر وغسل رجليه ولبس خفيه وصلى ثم أحدث وتوضأ للظهر وصلى ثم للعصر كذلك ثم تذكر أنه لم يمسح رأسه في الفجر ينزع خفيه ويعيد الصلاة؛ لأنه تبين أن اللبس لم يكن على طهارة تامة وإن تبين أنه لم يمسح في الظهر فعليه إعادة الظهر خاصة لتيقنه أنه كان على طهارة في العصر تامة فتكون طهارته للعصر تامة ولا ترتيب عليه للنسيان وذكر في السراج الوهاج معزيا إلى الفتاوى رجل ليست له إلا رجل واحدة يجوز له المسح على الخف وفي البدائع لو توضأ ومسح على جبائر قدميه ولبس خفيه أو كانت إحدى رجليه صحيحة فغسلها ومسح على جبائر الأخرى ولبس خفيه ثم أحدث، فإن لم يكن برئ الجرح مسح على الخفين؛ لأن المسح على الجبائر لغسل لما تحته فحصل لبس الخفين على طهارة كاملة كما لو أدخلهما مغسولتين حقيقة في الخف، وإن كان برئ الجرح نزع خفيه؛ لأنه صار محدثا بالحدث السابق فظهر أن اللبس حصل لا على طهارة ا هـ. وفي المحيط، وإن لبس الخف ثم مسح على الجبيرة ثم برئ يكمل مدته؛ لأنه لزمه غسل ما برئ بحدث متأخر عن اللبس، وإن لم يحدث حتى برئ فغسل موضعه ثم أحدث فله أن يمسح على خفيه لأنه لما غسل ذلك الموضع فقد كملت الطهارة فيكون الحدث طارئا على طهارة كاملة، وإن أحدث قبل أن يغسل موضع الجراحة بعد البرء لا يمسح بل ينزع الخف؛ لأن الحدث طرأ على طهارة ناقصة ا هـ. واعلم أنا قد قدمنا أن عدم مسح المتيمم بعد وجود الماء لم يستفد من اشتراط اللبس على الوضوء التام؛ لأن طهارة التيمم تامة لما علمت من أنها كالتي بالماء ما بقي الشرط بل؛ لأنه لو جاز المسح بعد وجود الماء لكان الخف رافعا للحدث الذي حل بالقدم؛ لأن الحدث الذي يظهر عند وجود الماء هو الذي قد كان حل به قبل التيمم لكن المسح إنما يزيل ما حل بالممسوح بناء على اعتبار الخف مانعا شرعا سراية الحدث الذي يطرأ بعده إلى القدمين، وبهذا يظهر ضعف ما في شرح الكنز من جعله طهارة التيمم ناقصة كما لا يخفى. (قوله: يوما وليلة للمتيمم وللمسافر ثلاثا) هذا بيان لمدة المسح أي صح المسح يوما وليلة إلخ، وهذا قول جمهور العلماء منهم أصحابنا والشافعي وأحمد والحجة لهم أحاديث كثيرة صريحة يطول سردها وقد اختلف القول عن مالك في جوازه للمقيم ومشى أبو زيد في رسالته على جوازه للمقيم. (قوله: من وقت الحدث) بيان لأول وقته ولا يعتبر من وقت المسح الأول كما هو رواية عن أحمد واختاره جماعة منهم النووي وقال؛ لأنه مقتضى أحاديث الباب الصحيحة ولا من وقت اللبس كما هو محكي عن الحسن البصري واختاره السبكي من متأخري الشافعية؛ لأنه وقت جواز الرخصة والحجة للجمهور أن أحاديث الباب كلها دالة على أن الخف جعل مانعا من سراية الحدث إلى الرجل شرعا فتعتبر المدة من وقت المنع؛ لأن ما قبل ذلك طهارة الغسل ولا تقدير فيها، فإذن التقدير في التحقيق إنما هو لمدة منعه شرعا، وإن كان ظاهر اللفظ التقدير للمسح أو اللبس والخف إنما منع من وقت الحدث، وفي المبسوط لشمس الأئمة السرخسي وابتداؤها عقيب الحدث؛ لأنه لا يمكن اعتبار المدة من وقت اللبس، فإنه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف ولا يمكن اعتباره من وقت المسح؛ لأنه لو أحدث ولم يمسح ولم يصل أياما لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث ا هـ. وكذا في النهاية ومعراج الدراية معزيا إلى مبسوط شيخ الإسلام فاستفيد منه أن مضي المدة رافع لجواز المسح أعم من كونه مسح أو لا فالأولى أن لا يجعل مضي المدة ناقضا للمسح؛ لأنه يوهم أنه إذا لم يكن هناك مسح فلا أثر لمضيها كما لا يخفى وثمرة الخلاف تظهر فيمن توضأ بعدما انفجر الصبح ولبس خفيه وصلى الفجر ثم أحدث بعد طلوع الشمس ثم توضأ ومسح على خفيه بعد زوال الشمس فعلى قول الجمهور يمسح إلى ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني إن كان مقيما ومن اليوم الرابع إن كان مسافرا وعلى قول من اعتبر من وقت المسح يمسح إلى ما بعد الزوال من اليوم الثاني إن كان مقيما ومن اليوم الرابع إن كان مسافرا وعلى قول من اعتبر من وقت اللبس يمسح إلى ما بعد طلوع الفجر من اليوم الثاني إن كان مقيما ومن اليوم الرابع إن كان مسافرا وفي معراج الدراية معزيا إلى المجتبى والمقيم في مدة مسحه قد لا يتمكن إلا من أربع صلوات وقتية بالمسح كمن توضأ ولبس خفيه قبل الفجر ثم طلع الفجر وصلاها وقعد قدرا لتشهد فأحدث لا يمكنه أن يصلي من الغد على هيئة الأولى لاعتراض ظهور الحدث في آخر صلاته وقد يصلي خمسا وقد يصلي ستا كمن أخر الظهر إلى آخر الوقت ثم أحدث وتوضأ ومسح وصلى الظهر في آخر وقته ثم صلى الظهر من الغد وقد يصلي به على هذا الوجه سبعا على الاختلاف ا هـ.
|